فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {ألم ترَ إلى الذين يزكُّون أنفسهم} قال: نزلت في اليهود قالوا: إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارًا فلا يكون لهم ذنوب، وذنوبنا مثل ذنوب أبناءنا، ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: إن الرجل ليغدر بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء، يلقى الرجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًا فيقول: والله إنك لذيت وذيت، ولعله أن يرجع ولم يَجُدْ من حاجته بشيء وقد أسخط الله عليه، ثم قرأ {ألم ترَ إلى الذين يزكون أنفسهم...} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله: {ولا يظلمون فتيلًا} قال: الفتيل. ما خرج من بين الأصبعين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس قال: الفتيل. هم أن تدلك بين أصبعيك، فما خرج منهما فهو ذلك.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: النقير. النقرة تكون في النواة التي تنبت منها النخلة، والفتيل. الذي يكون على شق النواة، والقطمير. القشر الذي يكون على النواة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الفتيل. الذي في الشق الذي في بطن النواة.
وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والإبتداء عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {ولا يظلمون فتيلًا} قال: لا ينقصون من الخير والشر مثل الفتيل، هو الذي يكون في شق النواة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ** ثم لا يرزأ الأعادي فتيلا

وقال الأول أيضًا:
أعاذل بعض لومك لا تلحي ** فإن اللوم لا يغني فتيلا

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: النقير. الذي يكون في وسط النواة في ظهرها، والفتيل. الذي يكون في جوف النواة، ويقولون: ما يدلك فيخرج من وسخها، والقطمير. لفافة النواة أو سحاة البيضة أو سحاة القصبة.
وأخرج عبد بن حميد عن عطية الجدلي: هي ثلاث في النواة. القطمير وهي قشرة النواة، والنقير الذي غابت في وسطها، والفتيل الذي رأيت في وسطها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: قالت يهود: ليس لنا ذنوب إلا كذنوب أولادنا يوم يولدون، فإن كانت لهم ذنوب فإن لنا ذنوبًا، فإنما نحن مثلهم. قال الله: {انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثمًا مبينًا}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{كَيفَ} منصوبٌ بـ {يَفْتَرُونَ} وتقدم الخِلافُ فيه، والجملةُ في محلِّ نَصْبِ، بعد إسقاط الخَافِضِ؛ لأنَّها مُعلقةٌ لانظر يتعدى بفي؛ لأنها- هنا- ليستْ بَصريَّةً، وعلى الله مُتعلِّقٌ بـ {يَفْتَرُونَ}، وأجاز أبُو البَقَاءِ: أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ، على أنه حالٌ من الكذبِ، قُدِّمَ عليه، قال: ولا يجوز أن يتعلق بالكذب؛ لأن معمولَ المصْدَرِ لا يتقدَّمُ عليه، فإن جعل على التَّبيين جَازَ، وجوّز ابن عطيةَ: أن يكون كيف مُبْتدأ، والجملةُ مِنْ قوله: {يَفْتَرُونَ} الخَبَرُ، وهذا فاسدٌ، لأن كَيْفَ لا تُرْفَعُ بالابتداءِ، وعلى تقدير ذلك، فأيْن الرَّابِطُ بينها وبَيْنَ الجملةِ الوَاقعَةِ خبرًا عنها ولم تكن نفس المُبْتدأ، حتى تِسْتغْنِي عَنْ رَابِطٍ، و{إِثْمًا} تمييزٌ، والضميرُ في به عائدٌ على الكذبِ، وقِيلَ: على الافْتِرَاءِ وجعلهُ الزمخشريُّ عَائِدًا على زَعمهمْ، يعْنِي: من حَيْثُ التقديرُ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (51):

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما عجب من كذبهم دلَّ عليه بقوله: {ألم تر} وكان الأصل: إليهم، ولكنه قال- لزيادة التقريع والتوبيخ والإعلام بأن كفرهم عناد لكونه عن علم-: {إلى الذين} وعبر بإلى دلالة على بعدهم عن الحضرات الشريفة {أوتوا نصيبًا من الكتاب} أي الذي هو الكتاب في الحقيقة لكونه من الله {يؤمنون بالجبت} وهو الصنم والكاهن والساحر والذي لا خير فيه وكل ما عبد من دون الله {والطاغوت} وهو اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والأصنام وكل ما عبد من دون الله؛ وكل هذه المعاني تصح إرادتها هنا، وهي مما نهي عنه في كتابهم- وأصله ومداره مجاوزة الحد عدوانًا، وهو واحد وقد يكون جمعًا، قال سبحانه وتعالى: {أوليائهم الطاغوت يخرجونهم} [البقرة: 257] والحال أن أقل نصيب من الكتاب كافٍ في النهي عن ذلك وتكفير فاعله.
ولما دل على ضلالهم دل على إضلالهم بقوله- معبرًا بصيغة المضارع دلالة على عدم توبتهم-: {ويقولون للذين كفروا} ودل بالتعبير بالإشارة دون الخطاب على أنهم يقولون ذلك فيهم حتى في غيبتهم، حيث لا حامل لهم على القول إلا محض الكفر فقال: {هؤلاء} أي الكفرة العابدون للأصنام {أهدى} أي أقوم في الهداية {من الذين آمنوا} أي أوقعوا هذه الحقيقة، فيفهم ذمهم بالتفضيل على الذين يؤمنون ومن فوقهم من باب الأولى {سبيلًا} مع أن في كتابهم من إبطال الشرك وهدمه وعيب مدانيه وذمه في غير موضع تأكيدًا أكيدًا وأمرًا عظيمًا شديدًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى حكى عن اليهود نوعا آخر من المكر، وهو أنهم كانوا يفضلون عبدة الأصنام على المؤمنين، ولا شك أنهم كانوا عالمين بأن ذلك باطل، فكان إقدامهم على هذا القول لمحض العناد والتعصب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

أعيد التعجيب من اليهود، الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، بما هو أعجب من حالهم التي مرّ ذكرها في قوله: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة} [النساء: 44]؛ فإنّ إيمانهم بالجبت والطاغوت وتصويبهم للمشركين تباعد منهم عن أصول شرعهم بمراحل شاسعة، لأنّ أوّل قواعد التوراة وأولى كلماتها العشر هي (لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالًا منحُوتًا، لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ). اهـ.

.قال الفخر:

روي أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أنتم أهل كتاب، وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا، ففعلوا ذلك.
فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت، لأنهم سجدوا للأصنام، فقال أبو سفيان: أنحن أهدى سبيلا أم محمد؟ فقال كعب: ماذا يقول محمد؟ يأمر بعبادة الله وحده وينهي عن عبادة الأصنام وترك دين آبائه، وأوقع الفرقة.
قال: وما دينكم؟ قالوا: نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم، فقال: أنتم أهدى سبيلا.
فهذا هو المراد من قولهم: {لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أهدى مِنَ الذين ءامَنُواْ سَبِيلًا} [النساء: 51]. اهـ.

.قال البغوي:

قال المفسرون: خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكبًا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أُحد ليُحالِفُوا قريشًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه، ونزلت اليهود في دُور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمَنُ أن يكون هذا مكرًا منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا ذلك، فذلك قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}.
ثم قال كعب لأهل مكة: ليجيء منكم ثلاثون ومنّا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد ربَّ هذا البيت لنجهدنّ على قتال محمد ففعلوا.
ثم قال أبو سفيان لكعب: إنّك امرؤٌ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أمّيُّون لا نعلم، فأينا أهدَى طريقة، نحنُ أم محمد؟
قال كعب: اعرضُوا عليَّ دينكم.
فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونُعمّر بيتَ ربِّنا ونطوف به ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم، ودينُنا القديم ودينُ محمد الحديث.
فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} يعني: كعبًا وأصحابه {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} يعني: الصنمين {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أبي سفيان وأصحابه {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم {سبيلا} دينا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي {الجبت} سبعة أقوال:
أحدها: أنه السّحر، قاله عمر بن الخطاب، ومجاهد، والشعبي.
والثاني: الأصنام، رواه عطية، عن ابن عباس.
وقال عكرمة: الجبت: صنم.
والثالث: حيي بن أخطب، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، والفراء.
والرابع: كعب بن الأشرف، رواه الضحاك، عن ابن عباس، وليث عن مجاهد.
والخامس: الكاهن، روي عن ابن عباس، وبه قال ابن سيرين، ومكحول.
والسادس: الشيطان، قاله سعيد بن جبير في رواية، وقتادة، والسدي.
والسابع: الساحر، قاله أبو العالية، وابن زيد.
وروى أبو بشر، عن سعيد بن جبير، قال: الجبت: الساحرُ بلسان الحبشة.
وفي المراد بالطاغوت هاهنا ستة أقوال:
أحدها: الشيطان، قاله عمر بن الخطاب، ومجاهد في رواية، والشعبي، وابن زيد.
والثاني: أنه اسم للذين يكونون بين يدي الأصنام يعبّرون عنها ليضلوا الناس، رواه العوفي، عن ابن عباس.
والثالث: كعب بن الأشرف، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، والفراء.
والرابع: الكاهن، وبه قال سعيد بن جبير، وأبو العالية، وقتادة، والسدي.
والخامس: أنه الصنم، قاله عكرمة.
وقال: الجبت والطاغوت صنمان.
والسادس: الساحر، روي عن ابن عباس، وابن سيرين، ومكحول، فهذه الأقوال تدل على أنهما اسمان لمسميين.
وقال اللغويون منهم ابن قتيبة، والزجاج: كل معبود من دون الله، من حجر، أو صورة، أو شيطان، فهو جبت وطاغوت. اهـ.